إلى الثوّار: إن كنتم تريدون التغيير فاستلموا السلطة

تحاول القوى الثوريّة أن تبقى بعيدة عن المحاسبة بشكل أو بأخر وذلك عبر بقائها بعيدة عن السلطة، أو بالأصح: تحمّل المسؤولية مباشرة أمام الناس.
 
في هذا السياق لايمكن نسيان النموذج الإيراني، الذي جعل من القيادة الثوريّة -المرشد- أباً روحيّاً للدولة، سلطة فوقية، لها القدرة على محاسبة السلطة المباشرة -رئيس الجمهورية- ولها القدرة أيضاً على تجنب تحمل المسؤولية للأوضاع في البلاد أمام الناس.
قد يبدو هكذا أنموذج يحكم بلا مسؤولية جذّاباً بشكل عام.
 
في سياق ذلك، يتهم معارضو الثورة الثوّار بأنهم قاموا بها "لأجل الثورة" دون برنامج ودون رؤية واضحة للخطوة التالية فقط -بحسب هؤلاء المعارضين- ينتظر الثوّار خطوات السلطة ليعارضوها ويقولوا إنها خاطئة وغير صحيحة.
تكمن خطورة بقاء الثوّار خارج السلطة والمسؤولية المباشرة في أنه يفشل الدولة ككيان جامع، بإفشاله لأي جهود للسلطة الحاكمة، وعلى المدى البعيد يدفع الناس للـ " كفر" بجدوى الثورة والإصلاح الجذري، بل سيدخل القوى الثوريّة ذاتها -التي انطلقت من هموم ومظالم الناس- لأن تدخل في دوامة من الشك بجدوى الفعل الذي قامت به، إذ لا ترى آثاره على الأرض بشكل جليّ للعيان.
 
صحيح أن من قام للثورة من أجل المبادئ غالباً ما سيتمسك بمبادئه ومنطلقات فعله الثوري، لكنه بعدم تحمله للمسؤولية -وهنا أتحدث عن تحمل المسؤولية بشكل جماعي للثوار بتولي تيار عريض منهم للسلطة في البلد لا تعيين لشخصيات شاركت في الثورة بمنصب أو بآخر- بعدم تحمله لهذه المسؤولية سينفخ كما يقال في قربة مثقوبة، إذ أن الناس بحاجة لأن يثق أولئك الثوّار بأنفسهم، أن يتولوا زمام الأمور ببرامج حقيقية قابلة للتنفيذ على الأرض كما كانوا يرددون في ثورتهم -وأيدهم الناس حينها بكل صدق- وذلك حتى يصنعوا الأنموذج الذي سيمكّن الناس من الانتقال إلى المستقبل.
 
ليست مشكلة هنا أن يدخل الثوّار للسلطة وأن يفشلوا، فهناك عوامل تسبب الفشل عادة، لكنها على الأقل فرصة تتحول فيها القوى الثوريّة إلى كيان كبير ومنظم متحمّل للمسؤولية، يلمس الناس آثاره عليهم، فيقابلوه بالنقد حين يفشل، أو بالثناء حين ينجح.
وهو بذلك يتحول من إطار نظري -يمكن أن تكون بلدنا كذا وكذا، نحن نمتلك الثروة والقوة ولولا فساد من يستلم السلطة الآن لكان كذا وكذا.. إلخ- إلى أنموذج عملي يستفيد منه الجميع:
- الثوّار أنفسهم بدخولهم لمعترك السلطة ومعرفة صعوبات الواقع أمام حلول التنظير.
- المسؤولون السابقون بأخذهم أفكاراً جديداً واقترابهم من الناس وجلوسهم في مقعد من كان في المعارضة - الفعل الثوري فتنضج وتتعمق طريقة فهمهم لمشاكل الناس.
- والناس أنفسهم، بمعرفتهم أن الثورة قد أفضت إلى طريق على الأقل، وأنهم ما عادوا معلّقين بالأحلام دوناً عن الواقع وتحدياته الجدية.
 
هي دعوة للمبادرة بالفعل بعيداً عن رد الفعل مهما بدا آمناً ومريحاً، لا لشيء إلا لنتحرك بشكل حقيقي في عجلة التاريخ؛ فهاهي الأمم ذا تمضي بمشاكلها إلى الأمام، ولا زلنا نناقش مشاكل تجادلنا حولها، وشهدت البلد حروباً وما تزال، دون أن تتغير طبيعة تلك المشكلات.
هي دعوة لأن نحرز أثراً لا يلومنا عليه مواطنو المستقبل حين يكتب التاريخ ما نفعله بحاضرنا.